فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- اليمين اللغو لا كفارة فيها وإنما تجب في اليمين المنعقدة.
2- لا تصح الكفارة بالصيام إلا عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو العتق.
3- الخمر والميسر من أخطر الجرائم الإجتماعية ولهذا قرنا بالأنصاب والأزلام.
4- العداوة والبغضاء تتولدان من جريمتي «الخمر» و«القمار».
5- القمار مرض اجتماعي خطير يهدّم البيوت ويخرّب الأسر ويقضي على الاقتصاد.
6- وجوب الابتعاد عن كل ما حرّمه الله عز وجل وخاصة الكبائر كالخمر والميسر.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
شدّد المولى جل وعلا في الآية الكريمة النكير على أمر «الخمر» و«الميسر» تشديدًا بالغًا يضرف النفوس عنهما إلى غير عودة، وقرنهما بالأنصاب والأزلام- وهما من أشنع المنكرات، وأقبح الفواحش في نظر الإسلام- ليشير إلى ما في الخمر والميسر من ضررٍ بالغ، وخطورة عظيمة، تهدّد الأمة والمجتمع، وتقوّض دعائم الحياة.
أما الخمر فإنها تذهب العقل، وتُنهك الصحة، وتُضيع المال، ومتى ذهب العقل جاء الإجرام، وكانت العربدة، وأفعال الطيش والجنون، وحسبُ السكران ألاّ يفرّق بين النافع والضار، ولا يميّز بين الجواهر والأقذار، لفقدان العقل.
وأما الميسر «القمار» فإنه يفقد الإنسان الإحساس والشعور حال انشغاله باللعب، حتى لا يبالي بالمال يخرج من يده إلى غير رجعة، طمعًا في أن ينال أكثر منه، فإذا رجع خاسرًا أكل قلبَه الحسدُ، وامتلأت نفسه حقدًا وغيظًا على من سلبه المال، وربما أداه ذلك إلى قتل من كان سببًا في خسارته، أو عزم على قتل نفسه بطريق الانتحار، وكم من أسرةٍ تهدّمت، وكم من عائلةٍ تشرّدت، بسبب «القمار» وأصبحت في ذل وفاقة، بعد أن كانت في عزّ ورفاهية، والحوادث التي نسمعها كل يوم أصدق شاهد على ما يجره «القمار» من ويلاتٍ ونكبات على الأشخاص والأسر التي بليت في بعض أفرادها بأناسٍ مقامرين.. دعْ ما يتخذه المقامرون من وسائل خسيسة وأيمان كاذبة يستعملونها في سبيل تحقيق أطماعهم وصدق الله حيث يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ}؟. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} وفى سورة التغابن: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين}، فورد في الأولى زيادة: {واحذروا} وزيادة: {فاعلموا} مع اتحاد ما تضمنته الآيتان من الأمر بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله والتحذير من التنكب عن ذلك والتولى.
فيسأل عن ذلك؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن آية المائدة لما أعقب بها آية الأمر باجتناب الخمر وما ذكر معها، ثم اتبع بعد ذلك بذكر العلة في تحريمها فقال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر...} الآية إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فختمت من التهديد بما يشعر بشديد الوعيد ناسب ذلك قوله تأكيدا لما تقدم من الاشعار بمخوف الجزاء قوله: {فاحذروا} وقوله: {فإن توليتم فاعلموا} لما في ذلك من التأكيد لما تقدم.
أما آية التغابن فلم يرد قبلها ما يستدعى هذا التأكيد ألا ترى الوارد فيها من قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} فلما لم يرد هنا نهى عن محرم متأكد التحريم بما اتبع النهى من التهديد والتأكيد لم يرد هنا من الزيادة المحرزة لمعنى التأكيد ما ورد هناك فجاء كل على ما يجب ويناسب وليس عكس الوارد بمناسب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)}.
كما كان العبد أعرفَ بربه كان أخوفَ من ربه، وإنما ينتفي الحذر عن العبد عند تحقيق الموعد بقوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [الأنعام: 82] وذلك عند دخول الجنة. وحقيقةُ الحذر نهوضُ القلب بدوام الاستغاثة مع مجاري الأنفاس. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا}.
لقد نقل الله الحكم بعدما انتهى من هذه الجزئية إلى حكم عام هو طاعة الله وطاعة الرسول. وأنت ساعة تستقرئ أمر الله بالطاعة فأنت تجدها في صور متعددة. فمرة يقول: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [المائدة: 92].
فقد كرر الأمر بالطاعة لله وللرسول، فالإطاعة لله في الحكم العام، وإطاعة الرسول في تفصيله، ومرة يقول سبحانه: {قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} [آل عمران: 32].
إنه هنا لا يكرر أمر الطاعة، فهناك أمر للطاعة، وهناك مطاع، وهناك مطيع والمطيع، هم المخاطبون، فهو هنا يوجد أمر الطاعة، والمطاع هنا هو الله، والرسول يأتي معطوفا على لفظة الجلالة.
ومرة يقول الحق سبحانه: {وَأَطِيعُواْ الرسول} [النور: 56].
نحن إذن أمام حالات للطاعة: الأولى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، والثانية: أطيعوا الله والرسول، والثالثة: أطيعوا الرسول، ومرة واحدة فقط يعطف على ذلك {أولي الأمر} فيقول جل وعلا: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وحين قال الحق: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [المائدة: 92].
فهو يكرر الأمر بالطاعة عند الله وعند الرسول، لكن عند أولي الأمر لم يأت سبحانه بأمر: {وأطيعوا}؛ ذلك أن طاعة أولي الأمر تكون من باطن الطاعتين: طاعة الله، وطاعة الرسول؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وإذا قال الحق: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} تكون طاعة الله في الحكم العام، وطاعة الرسول في تفصيل الحكم. والمثال قوله الحق: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97].
هنا نطيع الله في الحكم العام، ونطيع الرسول في تفصيل الحج. لأن التفصيل لم يأت في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني مناسككم» وعندما يتوحد الأمران: {وأطيعوا الله والرسول} فهذا يعني أن هناك أمرًا واحدًا قد صدر من الله، وصدور وحصول الفعل من الرسول يكون للقدوة والأسوة وتوكيدا للحكم.
وإذا كان لله أمر بالإجمال وللرسول أمر بالتفصيل فسبحانه يقول: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول}. وإذا كان الأمر للرسول فقط ولم يرد فيه شيء من الله فهو أمر صدر بتفويض من الله بناء على قوله الحق: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
وهكذا نجد أنه لا تلتبس طاعة بطاعة ولا تتناقض طاعة مع طاعة. والحق هنا يقول: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا}. لماذا هذا التحذير؟ يأتي هذا التحذير ليعلمنا الله أن الشيطان لن يدعنا ندخل في مجال طاعة الله وطاعة الرسول، وسيحاول جاهدًا أن يُلبَّس علينا الأمر. فعندما يعرف الشيطان ميلًا في نفس إنسان إلى لون من الشهوات، يدخل إليه من باب المعاصي. وإن كان الإنسان قد أوصد بعض السبل أمام الشيطان فلا يستطيع مثلا إغراءه بالسرقة أو شرب الخمر، لا يتركه بل يدخل إليه من باب الطاعة، فيأتي الشيطان إلى الإنسان لحظة الوضوء وينسيه هل غسل هذه اليد أو تلك، وهل أسبغ الوضوء أم لا؟ أو يأتي الشيطان إلى المؤمن لحظة الصلاة فينسيه عدد الركعات أو عدد السجدات، وهكذا يدخل الشيطان للمؤمن من ناحية الطاعة.
ومعنى قوله سبحانه: {واحذروا} أي احذروا أن يحتال الشيطان عليكم؛ لأنه سيحاول أن يدخل لكم من كل مدخل، يدخل على المسرف على نفسه بالمعصية، وأشد أعمال الشيطان على المؤمنين هي أن يدخل عليهم من باب الطاعة. ولذلك قال الحق: {واحذروا} وكثيرًا ما نجد الإنسان منا ينسى موضوعًا ما، وحين يأتي إلى الصلاة فهو يتذكر هذا الموضوع. والشيطان لا يترك الإنسان في مثل هذه الحالة، فقد أقسم الشيطان فقال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82].
وقال الحق سبحانه: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16].
إنه أقسم أن يقف على الطريق المستقيم لا على الطريق المعوج. ومثال ذلك عندما يتصدق إنسان بصدقة قد يعلنها ويقول: لقد تصدقت أكثر من فلان. وهكذا يضيع منه الأجر. الشيطان يحاول- إذن- أن يدخل علينا من باب لا تفطن إليه وهو باب الطاعة. وأروي لكم هذه القصة حتى تعرفوا مدى تَدَخُّل الشيطان، وقد حدثت مع الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. فقد جاء إليه من يسأله الفتوى في أمر غريب؛ قال السائل: ضاعت مني نقودي، فقد دفنتها في مكان من الأرض، ونزل السيل فطمس مكان النقود وأزال الحجر الذي وضعته علامة على مكانها. فقال الإمام أبو حنيفة: اذهب الليلة بعد صلاة العشاء وقف أمام ربك إلى أن يطلع الفجر، وقل لي ماذا سوف يحدث. وعندما جاءت صلاة الفجر جاء الرجل متهللًا إلى أبي حنيفة وقال: وجدت مالي.
فسأله أبو حنيفة كيف؟ قال الرجل: بينما أنا أقف للصلاة تصورت مكان وضع النقود، ومتى نزل السيل، وكيف سار، وهكذا قست المسافة وقدرتها إلى أن عرفت موقع النقود. فضحك الإمام وقال: والله لقد علمت أن الشيطان لن يدعك تتم ليلتك مع ربك. هكذا ترى كيف يدخل الشيطان من باب الطاعة. ولذلك قال الحق: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} [المائدة: 92].
أي فإن أعرضتم عمّا كلفتكم به فاعلموا أنكم بتوليكم وإعراضكم لن تضروا الرسول؛ لأن الرسول ما كلف إلاّ أن يقوم بالبلاغ المبين، وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتم به. إن الحق يعلم أزلًا أن بعضًا من عباده قد يقول: إن هذا الحكم لم يَرِد في القرآن؛ لذلك جاء بالأمر بطاعة الرسول. وهكذا صارت للرسول طاعة مستقلة، وأرادها الله حتى يَرُدّ مقدمًا على الذين يسألون عن نص فيه كل تفصيل. بينما نجد هذه التفاصيل في السنة النبوية الشريفة.
ومثال ذلك عدد ركعات كل صلاة، إنها لم تَرِدْ في القرآن، ولكننا عرفناها تفصيلًا من الرسول. وفَوَّض الحق رسوله في التشريع: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
فسبحانه قد علم أزلًا أن هناك من سيدَّعي أنه لن يطيع إلا القرآن. ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله عزوجل، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله».
أي أن الرسول هو المبلغ عن ربه، وأن علينا أن نحذر الشيطان إذا أراد أن يدخل علينا من باب الطاعة. ولكن لماذا قال الحق: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ}؟ وعن أي شيء يكون التولي؟
قال الحق ذلك ليوضح لنا أن الإنسان له الاختيار في أن يذهب إلى الطاعة، وله الاختيار في أن يذهب إلى المعصية، وإن تولى الإنسان عن الطاعة إلى المعصية، وعن الإيمان الذي جاء به الرسول الذي بلغ عن الله إلى البقاء في الكفر، فليعلم ذلك الإنسان أن الرسول قد أوفى مهمته وأداها. فالمطلوب من الرسول أن يبلغ المنهج، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم بلاغًا مبينًا، محيطًا، واضحًا ومستوعبًا لكل أقضية الحياة.
لقد أبلغنا صلى الله عليه وسلم مطلوب الله منا أن نؤمن بإله واحد، قادر، حكيم، له كل صفات الكمال، ذلك هو الأمر الأول في العقيدة. وأبلغنا صلى الله عليه وسلم أن نبتعد عما كان عليه العرب من الأنصاب، ومن الأوثان، ومن الأصنام. وبلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منا إيمانًا، وعملًا، والعمل ينقسم إلى قسمين: عمل إيجابي، وعمل سلبي. ويتركز العمل الإيجابي في «افعل كذا»، إذا لم تكن تفعله، أما العمل السلبي فهو أن تكف عما نهاك عنه الله، ونهاك عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.